القائمة الرئيسية

الصفحات

"اعشق كاتب القصص لتبدأ حياتك و تنتهي بين حروفه"


بعد الإنتهاء من الكتابة أضع قلمي جانبًا وأعيد قراءة ما كتبته، أبحث عن بعض الأخطاء اللغوية وحتى الإملائية لكني في الحقيقة لستُ سِوى أبحثُ عن نفسي، أستكشفها بين حروفي، كتاباتي تعكسُ آمالي، وأحلامي، تُظهِرُ جوانبَ النقص في ذاتي، حتى مكبوتاتي فهي تتدحرجُ بين ما هو كائن وما أريده أن يكون ..

ولعلي حين دافعت عن شخصية "محمود " في قصة "ليلة بين أحضان الموت" المجرم السفاح الذي منذ بداية القصة وأنا أبرر له بحديثي عن المعاناة التي دفعت به ليكون مجرمًا، كنتُ أعبرُ عن قناعاتي بأن "الشر لا يأتي من العدم، والإنسان لا يولدُ شريرًا بل الظروف القاسية هي من تدفع به ليكون كذلك" .. ولا أعلم لماذا تنتابني الرغبة في النهايات الحزينة وكأني لا أبحث عن الكمال في قصصي ..

ثم ماذا هل أنا جريئة في طرحي؟ هل اقتحمتُ عالم اللامُباح؟ هل كتبتُ يومًا قصة تعالج موضوعًا حساسًا يعدُ من طابوهات المجتمع؟ وإن لم أفعل ذلك ! فما الذي منعني؟ هل الأمر متعلق بالسن أم بالخوف، الخوف من أيادي الإتهامات ..


 ألا يستطيع الكاتب التنصل من كتاباته، أن لا تُنسب إليه؟ وأقصد هنا انتساب الروح، قد يرد أحدهم قائلاً: لا يعقل ذلك فالكاتب لم يرفع قلمه إلا ليدافع عن قضيته، مذهبه، وأفكاره و لا يهم هنا الصحيح منها أو الخاطئ بل ما يهم هو انتسابها له دون غيره ..

و إن كنت أتفق مع هكذا رد لأبعد الحدود إلا أني أعارض إذا ما ارتبط الأمر بكاتب القصص، القاص يختلف كثيرًا فالأمر أعمق من مجرد فكرة أو مشاعر، الأمر يفوق ذلك، القاص يحاول بث الروح في شخصياته، القاص يصنع عالما من خياله، يتقمص أدوارا بعيدة عن حقيقته، القاص يقدم لك مزيجًا من التناقضات، يتعمد تشويش فكرك لا إنارته، هو يستهدف إثارة مشاعرك فهل يهمه هنا الوفاء لفكرة، لقضية؟ يجب على كاتب القصص أن يكون جريئًا في كتاباته و إن كان شخصًا خجولا في واقعه .. فهذا ما تتطلبه شخصياته ..

لهذا فأنا حين أبحث عن نفسي بين قصصي أحيانا أجدها و في غالب الأمر لا أكون البتة، ثم دعوني أخبركم سِرًا صغيرًا، كاتب القصص مختل مجنون مهووس بفضح شخصياته وفي المقابل كتوم جدًا، فهو لا يكتب عن تجاربه ربما حين يبلغ من العمر عتيا، سيترك مذكرة باليه نصف حروفها قد محاها الزمن، فقصته هي كنزه الصغير، لا تنتظروا منه أن يشارككم و لو بجزءٍ منها فبعض الأشياء مقدرٌ لها أن لا تُشارك إلا مع شخص واحد ..

 القاص يعي جمال لحظات الحب فهي تحملُ بريقًا يسحرُ الناظرين، بريقًا يزولُ إذا ما سجنهُ في أسطُرٍ داخل كتاب ملعون، أنا كاتبة قصص وإن عشقت يومًا لن أكتب عن بطلي، لن أكتب عنه لتعشقه مثلي ملايين القارئات .. لن أقدم قصتي بكثير من الكذب وأتنازل عنها ليعيش قصتي غيري.

لعلك تجد نقيض القاص وبكثير من الصدق عند الشاعر، يكتب غزلاً لحبيبته أو ينظم قصيدة يبكي فيها على أطلال من سكنت قلبه وتركته، ثم يُسمع العالم بأكمله .. في القصة نقول يُحكى عن فتاة وشاب، وفي الشعر نعرف اسم فلانة وفلان ..

القاص وإن كتب قصته فكونوا على يقين أن جانب الخيال أكبر من الحقيقة، لن أحاول تغطية ذلك فأنا كاتبة قصص، لهذا حين تجدون بالبند العريض في غلاف أي قصة أو رواية، أو فيلم مقتبس عن قصة حقيقية فلا تتأثروا كثيرًا، من ينقل إليكم القصة ليس ضمير صحفي بل خيالُ قاص.

محظوظ من عشق كاتبة قصص، كاتبة لن تعترف بسهولة و إن قررت الإعتراف فهي ستبحث عن طرق ملتوية ذكية، أكثر إبداعًا، لا تتوقع منها أن ترسل لك رسالة ليلية مكتوب فيها اعترافها الصغير، لهذا كن أذكى منها و ذع ردودك أكثر إبداعا، وكن حذرًا معها، فأنا أخاف عليك من قلمها السليط، أخاف أن تجعلك  الشخصية الأكثر شؤمًا في قصصها، أخيرًا دعني أخبرك: كن مطمئنًا لصدق مشاعرها فهي لن تكذب لتستهويك، بل ستكون عفوية معك حد السخف  ..

 

محيدب سارة

تعليقات

الفهرس