القائمة الرئيسية

الصفحات

قراءة في رواية شاتيلا بقلم ربيبة عرابي

مدونة محيدب سارة


 #شاتيلا


 منذ فترة طويلة لم أجرب قلمًا جزائريًا .. 

أذكر أن آخر شيء قرأته كان كتابا تاريخيا مملا عبارة عن جداول و تواريخ جامدة بأسلوب جاف جعلني أغلقه بعد إلقاء لمحة سريعة عليه، وصراحة ذلك الكتاب أفقدني شغف قراءة كتب التاريخ  لفترة لا بأس بها . 


 بعد سنة وبضع أشهر أجد نفسي فجأة وسط معرض صغير أقيم في الإقامة الجامعية الحدائق ثلاثة  تحت إشراف نادي الكتابة والقراءة بالإقامة الجامعية الحدائق ثلاثة،  نادي تأسس منذ مدة قصيرة ولفت انتباهي بأنشطته وفعالياته.. 

المعرض كان لامعًا، الاستقبال جد مفرح، والمبهج بالنسبة إلي كانت تلك الطاولات الموزعة في أنحاء القاعة لبعض الكتاب الجزائريين الشباب مع طاولة جانبية لكتب قديمة علمية للاستفادة.. 

تجولت لن أقول قليلا بل كثيرا، لقد كنت بحاجة للغرق وسط الكتب، وسط الروايات والمجموعات القصصية، وسط الأغلفة والتعرف على بعض دور النشر المحلية - ولا أنكر أن هذه الأخيرة كانت للاستفادة المهنية أكثر منها للمتعة شخصية -.. 

جذب انتباهي أكثر من عمل مترجم، ومع أن المجموعات القصصية ليست المفضلة بالنسبة إلى لكني تصفحت الكثير.. و.. وجدتها..

كانت رواية بحجم متوسط نوعا ما، تقف منتصبة على طاولة عرضها، ووراءها مجموعة من النسخ.. 

قرأت العنوان، نزلت بنظري لاسم الدار، ولم أمنع نفسي من التمعن في الغلاف، أدرت الرواية لأرى الظهر ليلفت انتباهي المقطع المدون يحمل عبقًا من التاريخ و ذكرًا لحاخام يهودي..

لأول وهلة خمنتُ أن الرواية تحمل نوعا من الفانتازيا أو تروي أسطورة ما عن اليهود، فتحتها ألقي نظرة على التنسيق الداخلي، جودة الورق و الطباعة و كذلك حجم الخط و نوعه - لم أستطع منع نفسي من التدقيق المهني و المادي نوعا ما - عادة التصقت بي منذ مدة ليست بالقصيرة.. 

سألت إحدى صديقات الدراسة عن الإجراء الذي يمكنني من شراء نسخة، فأخبرتني بأنه من الممكن الحصول على إهداء و توقيع خاص أيضا..

ثم حملت نفسي خارجا وبحثت عن الرواية على الأنترنت محاولة جمع بعض الآراء، وبعدها بحثت عن صفحة الدار..   وعدت للمعرض.. 

صراحة من يعرفني ومن لا يعرفني أيضا يعرف بأني لست الشخصية الاجتماعية المثالية سواء على مستوى العالم الافتراضي أو العالم المادي، لذلك لم أطل الحديث مع الكاتبة، سألت عن نوع الرواية، مشاركاتها في معرض الكتاب الدولي.. وسنة إصدارها، ثم نلت توقيعي وخرجت.. 


مدونة محيدب سارة



أخيرًا .. لقد رافقتني شاتيلا طوال رحلة العودة إلى الديار، رحلة تمتد لست ساعات لمن لا يعرف، ست ساعات - إلا بعض دقائق القليل منها للراحة والباقي للتنقل بين وسائل المواصلات - أنهيت فيها فصول الرواية إلا الختام الذي اضطررت لقراءته في البيت . 

لمن لم يجرب الأقلام الجزائرية، فهي تتميز بنوع من الخفة والبساطة السردية، تسحبك برفق نحو العمق أو تطفو بك بنعومة على السطح، مع بعض العبارات المقتبسة من آيات القرآن الكريم، أسلوب يجعل عقلك مرتاحًا، مسترخيًا متقبلاً للمزيد.

ولم تشذ الكاتبة عن القاعدة، بل زادت بضع لمسات خاصة بها تميزها وتصنع لها أثرًا خاصًا، بإضافة بعض المفردات القوية لغويا ونادرة الإستعمال - وقد كنت أفضل لو كان لبعض هذه المفردات شرحًا بسيطًا في هامش الرواية -.. 

تعود بنا الكاتبة سنوات للوراء، تحديدا منذ 15 عاما مضى.. 

وتتنقل بنا بين شمال إفريقيا وكندا، ثم أدغال غانا، في محاولة لحل اللغز.. 

سأتفادى حرق الأحداث، وسأكتفي بالوصف العام لما حدث.. 

بداية الرواية كانت مقدمة لأسطورة قديمة تدور أحداثها في شمال إفريقيا، أبطالها من البربر والغجر واليهود والسحرة.. 

ثم بعدها نذهب إلى تورونتو الكندية لتبدأ حكاية اللغز، لغز لم ينجلي غموضه إلا في الفصول الأخيرة للرواية.. 

تكشف لنا الكاتبة خلال الأحداث عن بعض من أسرار و خفايا العالم المظلم لما يحدث وراء الكواليس، عن انهيار الأمم  وعن الخيانة، عن أسبابها، ونتائجها، وكيف أن الخائن لا يكون إلا عبدًا مكسور العنق مذلولاً قابعًا في أسفل هرم السلطة.. كبش فداء وقتما لزم الأمر ومجرد "عنصر هامشي" في مجريات اللعبة.

نعيش بعضا من الأهوال والضغوطات التي عاشها أهل القرى و الجزائريين خلال فترة العشرية السوداء وما كان بعدها من أحوال كارثية على كافة الأصعدة، وتحط بلمسات حانية على موضع الجرح فتنشر بعض الأمل، يحيي ويعطيك قليلاً من الطاقة للإستمرار ..

يستلم كل بطل زمام السرد، فتارة هذا و تارة ذاك - وقد أحببت أن يفصل بين سرد كل بطل وآخر بعلامة ما، وبين كل مشهد والذي يليه كذلك - أحببت استلام الأبطال لقلم الكتابة .. في حديثهم عن أنفسهم وسردهم للأحداث بنظرتهم الخاصة.. بعيدًا عن تدخل الكاتب.. 

مقطع صوتي من رواية شاتيلا

كنت أفضل لو أدخلت بعض المعلومات عن الأبطال أو الأحداث بشكل أكثر سلاسة، أحببت تقديم الأبطال، إلى حين الوصول إلى إدوارد.. تمنيت لو تولى زمام الحديث عن نفسه بنفسه.. أو تم التعريف به بشكل أكبر و بكيفية تناسب رسم شخصيته.. 

كذلك آخر المعلومات المتواجدة في المشهد قبل المشهد الأخير من الرواية عن البروتوكول 25.. كان من الممكن أن تقدم خلال الأحداث أو على لسان أحد الأبطال.. ستكون أكثر متانة و تشويقا للقارئ و تتخذ مساحة أفضل للتفكير و التوسع فيها.. 

 أسطورة أورميس أيضا التي لم تذكر بعد ذلك في باقي الرواية.. بل اكتفت بتصدر المقدمة بشكل منفصل و الاختفاء بعدها.. كنت أتمنى لو تم ربطها بباقي الأحداث..

أحببت تخبط توسمان، صراعها الداخلي ومحاولتها للبقاء، كنت أفكر مع الأبطال، أحاول وضع كل الإمكانيات لخروجهم بأقل الخسائر متيقنة بوجوب التضحية.. أعجبت بتضحية راكان من أجل أخيه و جسارته.. شاتيلا و عاطفيتها..أبانو و ليزا و حتى جايكوب و أساف و أيضا عملية صبرا.. أحببت الجميع و استمتعت بسرد دواخلهم و صراعاتهم.. 

لم أحب أن يتوجه لي الراوي بالخطاب في معظم الأحيان، أحببت أن أكمل رحلتي مع الأبطال، دون أن أتعثر بكلام الراوي هنا وهناك بين الصفحات وسط سرد الأبطال.. 

إذ كان وجوده بالنسبة لي شاذا عن السرد وغريبا.. وأحيانًا ورديًا.. 

ولكن هذا لا ينفي أنه كان موفقا في عديد من المرات.. كان يأخذ بيدي و ينير بصيرتي بشرح بضعة أشياء غامضة..


في الأخير انتهت الرواية، ووقعت أنا في حب مشهد الختام.. التضحية.. الوفاء.. وحتى الخيانة التي كان آخرها الذل.. سلمت أناملك وأتمنى لك التوفيق 💙


تعليقات

الفهرس