القائمة الرئيسية

الصفحات

لا تقيسوا الدين بمقياس الناس

مدونة محيدب سارة


ما زلت أذكر عمي الطاهر مجنون الحي وجملته الشهيرة: "كَم من قبة تَنْزَارْ ومُولاها فالنار" ..

 كان يقولها لنا دائما عندما يرانا مغادرين من الزاوية، عمي الطاهر شاعت الأحاديث عنه ولا أحد يعرف حقيقة ما حصل معه، فهو غريب عنا، دخيل على المنطقة، كُنا في كل يوم نعبر أمامه متعطرين في أبهى حلتنا، نعانق مصاحفنا، كل همنا أن نتسابق في حفظ القرآن حتى تُقام الولائم على شرفنا، وننال الرفعة بين الرجال، فلم نكن نتنازل حتى لإلقاء السلام عليه، لا بل كان البعض منا يحتقره لأنه بلا جدور وبلا أوراق، حياته ومماته لا تفرق مع أحد ..

كان يقول لنا: "قلوبكم تزداد قسوة احذروا" أدرك أننا لم نأخذ من الدين سوى القشور، أننا نتعبد للناس، الآن مات عمي الطاهر وأنا على مشارف الستين، أفترش لحظات ما قبل الموت،  شريط حياتي يمر أمام عينيا ..

انظر إلى زوجتي وهي تجلس على مقربة،  تنظر لي بنظرات مشفقة وكأنها تقول لي: "الله يغفر لك ما فعلته بنا" ....

كنت شابًا يافعًا عندما تزوجتها ، استقر في ذهني أنّ المرأة أدنى مكانةً  من الرجل، لا رأي لها ولا مشاعر، والمؤلم أني استخدمت فهمي الخاطئ للدين في جلدها، عاملتها كأنها جارية اشريتها من السوق، إذا اعترضت قلبت البيت على رأسها، ظنًا مني أن الدين أوجب عليها الطاعة العمياء لي حتى وإن كنت على خطأ، واستخدمت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في غير محلها لإسكات فاهها، مستغلا جهلها وبراءتها.

 زوجتي الطيبة ذنبها فقط أنها تزوجت رجلاً متدينًا لم يفهم دينه، رجلاً خَسِر جميع من حوله بسبب غلظته وغروره وترفعه على البشر، حَسِبتُ نفسي ملاكا والبقية شياطين إن لم أنهاهم حاسبتهم ! 

 على فراش الموت وبجانبي زوجة كل تجعيده في وجهها تروي قصة مؤلمة وجرح عميق كنت سببه، وحولي أولادي وقد أصبحوا رجالاً ونساءً مثقلون بماضٍ قاسٍ، وأرواحٌ مُقيّدة بعقد لن يتجاوزوها .. 
 
ومع أنفاسه الأخيرة كان يردد على مسامِعهم: (لا تسمحوا لأفكارٍ خاطئة أن تتسرب إلى عقولكم، لا تقيسوا الدين بمقياس الناس) ..

اقرأ أيضا/ قصص قصيرة

تعليقات

الفهرس