القائمة الرئيسية

الصفحات

مدونة محيدب سارة


قال الشيخ:

-  سبق المفردون.

فرد الشاب محتارًا:

-  المفردون !


- قالوا والمفردون يا رسول الله؟ قال عليه أفضل الصلاة والسلام الذاكرون الله كثيرا والذاكرات (وضع المسبحة في جيبه) ما هي أحوالك مع الذِكر يا بني؟

 

استحالت ابتسامةُ الشابِ التي قابل بها الشيخ إلى زفرة عقبها متنهدا وأجابه:

-   لماذا الكذب؟ حالي مع الذكر لا يسر.

 

رفع الشيخ رأسهُ ونظر نحو السماء وقال:


- الذكر هو امتيازات هذا الدين وبفضل هذه الأذكار ننال حوافر مادية ومعنوية، تخيل معي أنّ بقولك (سبحان الله) تُغرسُ لك نخلةً في الجنة و(لا حول ولا قوة إلا بالله) كنزٌ من كنوز الجنة وغيرها الكثير ... الكثير يا ولدي والله يضاعِفُ لمن يشاء، ولكننا نبخل على أنفسنا أليس كذلك؟

 

أجابه الشاب بحسرة:


- صحيح رغم أنّ استغراقنا في الذكر قد لا يتجاوز دقائق. 

ارتسمت سيمَاءُ الارتياح على صفيحة وجهه وأردف:

- الوقت وعاء العمل يقول ابن القيم[1] رحمه الله (السنة شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها والأنفاس ثمرها فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة ومن كانت في معصية فثمرته حنظل وإنما يكون الجذاذ يوم الميعاد فعند الجذاذ يتبين حلو الثمار من مُرها) يا بني إن فراغ القلب من الهم والجسم من السقم من أعظم النِعم ولكن من أوتيّ ذلك فلا حجة له في تقصيره وهو مغبونٌ مسكين فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصحة والفراغ".

 

تمتم الشاب بحسرة وهو يتذكر الأوقات التي ضيعها على أمور لا تستحقّ الذكر:

-   الفراغ.

 

وقف الشيخ على كلمة (الفراغ) ثم هز رأسه مرتين وأكمل حديثه:


-   اسمع بقلبك إلى هاذين الحديثين:

 الأول يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عُمُره فيما أفناه وعن شبابه فيمَ أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه وعن عمله ماذا عمل فيه" والحديث الثاني يقول فيه: "اغتنم خمسًا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سَقَمك وغَنَاءكَ قبل فقرك وفراغك قبل شُغْلك وحياتك قبل موتك" قد تتغير الأحوال في أي لحظة أو مع مرور الزمن عموما لا يوجد أمر ثابت لهذا يجب علينا أن نتعامل مع ما بحوزتنا من نعم الله وكأنها استثمار برأس مال صغير نسعى لنموه وتوسعه حتى نجني ثماره في أوقات تغير الحال كالمرض مثلا وأهم ما قد نستثمر فيه هي أوقات الفراغ. 

رد الشاب بعد أن اندمج مع حديث الشيخ:

-   معك حق صدقت يا عم.

 


[1] ابن القيم: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي (691/751 هجري المشهور باسم "ابن قيّم الجوزية" أو "ابن القيّم"  فقيه ومحدّث ومفسر وعالم مسلم مجتهد وواحد من أبرز أئمة المذهب الحنبلي في النصف الأول من القرن 18 الهجري.



 


تعليقات

الفهرس